فصل: من فوائد ابن تيمية في السورة الكريمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد ابن العربي في السورة الكريمة:

قال رحمه الله:
سُورَةُ الْإِخْلَاصِ وَقِيلَ التَّوْحِيدُ فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ:
المسألة الْأُولَى:
فِي سَبَبِ نُزُولِهَا: رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مَقْطُوعًا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا أَنَّهُ قال: أَتَى رَهْطٌ مِنْ يَهُودَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقالوا: يَا مُحَمَّدُ، هَذَا اللَّهُ خَلَقَ الْخَلْقَ.
فَمَنْ خَلَقَهُ؟ فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى انْتَقَعَ لَوْنُهُ، ثُمَّ سَاوَرَهُمْ غَضَبًا لِرَبِّهِ، فَجَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السلام فَسَكَّنَهُ، فَقال: خَفِّضْ عَلَيْك يَا مُحَمَّدُ، وَجَاءَهُ مِنْ اللَّهِ بِجَوَابِ مَا سَأَلُوهُ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أحد} السُّورَةَ.
وَفِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ بَاطِلَةٌ هَذَا أَمْثَلُهَا.
المسألة الثَّانِيَةُ:
فِي فَضْلِهَا، وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، عَنْ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ رَجُلًا سَمِعَ رَجُلًا يَقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أحد} يُرَدِّدُهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، وَكَانَ الرَّجُلُ يَتَقالهَا، فَقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ القرآن»، فَهَذَا فَضْلُهَا، وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ وَالْمُشْكِلَيْنِ.
المسألة الثَّالِثَةُ:
رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَؤُمُّ قَوْمَهُ، فَيَقرأ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أحد، فَذَكَرَ ذَلِكَ قَوْمُهُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَرْسَلَ إلَيْهِ فَقال: إنِّي أُحِبُّهَا، فَقال لَهُ: «حُبُّك إيَّاهَا أَدْخَلَك الْجَنَّةَ».
فَكَانَ هَذَا دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ تَكْرَارُ سُورَةٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ.
وَقَدْ رَأَيْت عَلَى بَابِ الْأَسْبَاطِ فِيمَا يَقْرُبُ مِنْهُ أماما مِنْ جُمْلَةِ الثَّمَانِيَةِ وَالْعِشْرِينَ أماما كَانَ فِيهِ يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ فِي رَمَضَانَ بِالْأَتْرَاكِ، فَيَقرأ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ، وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أحد، حَتَّى يُتِمَّ التَّرَاوِيحَ تَخْفِيفًا عَلَيْهِمْ وَرَغْبَةً فِي فَضْلِهَا.
وَلَيْسَ مِنْ السُّنَّةِ خَتْمُ القرآن فِي رَمَضَانَ، حَسْبَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ وَالْمَسَائِلِ. اهـ.

.من فوائد ابن تيمية في السورة الكريمة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَالصَّلَاةُ وَالسلام عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ.
سورة الإخلاص:
سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ- رَحِمَهُ الْلَّهُ- تَقِيُّ الدِّينِ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَد ابْنُ تَيْمِيَّة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَمَّا وَرَدَ فِي سُورَةِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أحد} أَنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ القرآن وَكَذَلِكَ وَرَدَ فِي سُورَةِ (الزَّلْزَلَةِ) و{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و(الْفَاتِحَةِ) هَلْ مَا وَرَدَ فِي هَذِهِ الْمُعَادَلَةِ ثَابِتٌ فِي الْمَجْمُوعِ أَمْ فِي الْبَعْضِ؟ وَمَنْ رَوَى ذَلِكَ؟ وَمَا ثَبَتَ مِنْ ذَلِكَ؟ وَمَا مَعْنَى هَذِهِ الْمُعَادَلَةِ وَكَلَامُ اللَّهِ وَأحد بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ وَهَلْ هَذِهِ الْمُفَاضَلَةُ – بِتَقْدِيرِ ثُبُوتِهَا- مُتَعَدِّيَةٌ إلَى الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ أَمْ لَا؟ وَالصِّفَاتُ الْقَدِيمَةُ وَالْأَسْمَاءُ الْقَدِيمَةُ هَلْ يَجُوزُ الْمُفَاضَلَةُ بَيْنَهَا مَعَ أَنَّهَا قَدِيمَةٌ؟ وَمَنْ الْقَائِلُ بِذَلِكَ وَفِي أَيِّ كُتُبِهِ قال ذَلِكَ وَوَجْهُ التَّرْجِيحِ فِي ذَلِكَ بِمَا يُمْكِنُ مِنْ دَلِيلٍ عَقْلِيٍّ وَنَقْلِيٍّ؟
فَأَجَابَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: الْحَمْدُ لِلَّهِ، أَمَّا الَّذِي أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ الصَّحِيحِ- كَالْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ- فَأَخْرَجُوا فَضْلَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أحد} وَرُوِيَ عَنْ الدارقطني أَنَّهُ قال: لَمْ يَصِحَّ فِي فَضْلِ سُورَةٍ أَكْثَرُ مِمَّا صَحَّ فِي فَضْلِهَا. وَكَذَلِكَ أَخْرَجُوا فَضْلَ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ قال صلى الله عليه وسلم فِيهَا: «إنَّهُ لَمْ يَنْزِلْ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي القرآن مِثْلُهَا» لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا أَنَّهَا تَعْدِلُ جُزْءًا مِنْ القرآن كَمَا قال فِي {قُلْ هُوَ اللَّهُ أحد}: «إنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ القرآن» فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ الضَّحَّاكِ الْمَشْرِقِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري قال: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَصْحَابِهِ: «أَيَعْجِزُ أحدكُمْ أَنْ يَقرأ بِثُلُثِ القرآن فِي لَيْلَةٍ؟ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَقالوا: أَيُّنَا يُطِيقُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قال اللَّهُ الْوَاحد الصَّمَدُ ثُلُثُ القرآن». وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ معدان بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «أَيَعْجِزُ أحدكُمْ أَنْ يَقرأ فِي لَيْلَةٍ ثُلُثَ القرآن؟»
قالوا: وَكَيْفَ يَقرأ ثُلُثَ القرآن؟ قال: «{قُلْ هُوَ اللَّهُ أحد} تَعْدِلُ ثُلُثَ القرآن».
وروى مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ اللَّهَ جَزَّأَ القرآن ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ فَجَعَلَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أحد} جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ القرآن».
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلًا سَمِعَ رَجُلًا يَقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أحد} يُرَدِّدُهَا فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ وَكَانَ الرَّجُلُ يتقالها فَقال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ القرآن». وَأَخْرَجَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قال: أَخْبَرَنِي أَخِي قتادة بْنُ النُّعْمَانِ أَنَّ رَجُلًا قَامَ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقرأ مِنْ السِّحْرِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أحد} لَا يَزِيدُ عَلَيْهَا.. الْحَدِيثَ بِنَحْوِهِ.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اُحْشُدُوا فَإِنِّي سَأَقرأ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ القرآن» قال: فَحَشَدَ مَنْ حَشَدَ ثُمَّ خَرَجَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أحد} ثُمَّ دَخَلَ فَقال بَعْضُنَا لِبَعْضِ: إنِّي أَرَى هَذَا خَبَرًا جَاءَهُ مِنْ السَّمَاءِ فَذَاكَ الَّذِي أَدَخَلَهُ. ثُمَّ خَرَجَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقال: «إنِّي قُلْت لَكُمْ سَأَقرأ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ القرآن أَلَا إنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ القرآن». وَفِي لَفْظٍ لَهُ قال: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقال: «أَقرأ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ القرآن» فَقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أحد اللَّهُ الصَّمَدُ} حَتَّى خَتَمَهَا.
وَأُمًّا حديث: الزَّلْزَلَةِ و{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} فَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قال: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قرأ إذَا زُلْزِلَتْ عَدَلَتْ لَهُ نِصْفَ القرآن. وَمَنْ قرأ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ عَدَلَتْ لَهُ رُبُعَ القرآن».
وعن ابْنِ عَبَّاسٍ قال: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «{إذَا زُلْزِلَتِ} تَعْدِلُ نِصْفَ القرآن و{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} تَعْدِلُ رُبُعَ القرآن» رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ وَقال عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا: غَرِيبٌ.
وَأَمَّا حَدِيثُ الْفَاتِحَةِ فَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ابْنِ الْمُعَلَّى قال: «كُنْت أُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ أَجِبْهُ فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي كُنْت أُصَلِّي.
قال: أَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ}. ثُمَّ قال: لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ سُورَةً فِي القرآن قال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالقرآن الْعَظِيمُ»
.
وَفِي السُّنَنِ وَالْمَسَانِيدُ مِنْ حَدِيثِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال لأبي بْنِ كَعْبٍ: «أَلَا أُعَلِّمُك سُورَةً مَا أُنْزِلَ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الزَّبُورِ وَلَا فِي الْفُرْقَانِ مِثْلُهَا- قال- فَإِنِّي أَرْجُو أَلَا تَخْرُجَ مِنْ هَذَا الْبَابِ حَتَّى تَعْلَمَهَا».
وقال فِيهِ: «كَيْفَ تَقرأ فِي الصَّلَاةِ؟» فَقرأت عَلَيْهِ أُمَّ القرآن فَقال: «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أُنْزِلَ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الزَّبُورِ وَلَا فِي القرآن مِثْلُهَا إنَّهَا السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالقرآن الْعَظِيمُ الَّذِي أُعْطِيته». وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى عَامِرِ بْنِ كريز مُرْسَلًا. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قال: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَلَمْ تَرَ آيَاتٍ أُنْزِلَتْ اللَّيْلَةَ لَمْ يُرَ مَثَلُهُنَّ قَطُّ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}». وَفِي لَفْظٍ: قال لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أُنْزِلَ على آيَاتٌ لَمْ يُرَ مَثَلُهُنَّ قَطُّ الْمُعَوِّذَتَانِ» فَقَدْ أَخْبَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ لَمْ يُرَ مِثْلُ الْمُعَوِّذَتَيْنِ كَمَا أَخْبَرَ أَنَّهُ لَمْ يَنْزِلْ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الزَّبُورِ وَلَا فِي القرآن مِثْلُ الْفَاتِحَةِ وَهَذَا مِمَّا يُبَيِّنُ فَضْلَ بَعْضِ القرآن عَلَى بَعْضٍ.
فَصْلٌ:
وَأَمَّا السُّؤَالُ عَنْ مَعْنَى هَذِهِ الْمُعَادَلَةِ مَعَ الِاشْتِرَاكِ فِي كَوْنِ الْجَمِيعِ كَلَامُ اللَّهِ فَهَذَا السُّؤَالُ يَتَضَمَّنُ شَيْئَيْنِ:
أحدهما: أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ هَلْ بَعْضُهُ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ أَمْ لَا؟.
والثاني: مَا مَعْنَى كَوْنِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أحد} تَعْدِلُ ثُلُثَ القرآن؟ وَمَا سَبَبُ ذَلِكَ؟
فَنَقول: أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ (مَسْأَلَةٌ كَبِيرَةٌ) وَالنَّاسُ مُتَنَازِعُونَ فِيهَا نِزَاعًا مُنْتَشِرًا فَطَوَائِفُ يَقولونَ: بَعْضُ كَلَامِ اللَّهِ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ كَمَا نَطَقَتْ بِهِ النُّصُوصُ النَّبَوِيَّةُ: حَيْثُ أَخْبَرَ عَنْ (الْفَاتِحَةِ) أَنَّهُ لَمْ يَنْزِلْ فِي الْكُتُبِ الثَّلَاثَةِ مِثْلُهَا. وَأَخْبَرَ عَنْ سُورَةِ (الْإِخْلَاصِ) أَنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ القرآن وَعَدْلُهَا لِثُلُثِهِ يَمْنَعُ مُسَاوَاتَهَا لِمِقْدَارِهَا فِي الْحُرُوفِ. وَجَعَلَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ أَعْظَمَ آيَةٍ فِي القرآن كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ أَيْضًا وَكَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال لأبي بْنِ كَعْبٍ: «يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِي أَيَّ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَعَك أَعْظَمُ؟» قال: قُلْت: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
قال: «يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَعْظَمُ؟» قال: فَقُلْت: {اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} قال: فَضَرَبَ فِي صَدْرِي وَقال: «ليهنك الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ». وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُسْنَدِهِ بِإِسْنَادِ مُسْلِمٍ وَزَادَ فِيهِ: «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّ لِهَذِهِ الْآيَةِ لِسَانًا وشفتين تُقَدِّسُ الْمَلِكَ عِنْدَ سَاقِ الْعَرْشِ». وَرُوِيَ أَنَّهَا «سَيِّدَةُ آيِ القرآن».
وَقال فِي الْمُعَوِّذَتَيْنِ: «لَمْ يُرَ مَثَلُهُنَّ قَطُّ» وَقَدْ قال تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَأْتِي بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا. وَهَذَا بَيَانٌ مِنْ اللَّهِ لِكَوْنِ تِلْكَ الْآيَةِ قَدْ يَأْتِي بِمَثَلِهَا تَارَةً أَوْ خَيْرٍ مِنْهَا أُخْرَى فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْآيَاتِ تَتَمَاثَلُ تَارَةً وَتَتَفَاضَلُ أُخْرَى. وَأَيْضًا فَالتَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ وَالقرآن جَمِيعُهَا كَلَامُ اللَّهِ مَعَ عِلْمِ الْمُسْلِمِينَ بِأَنَّ القرآن أَفْضَلُ الْكُتُبِ الثَّلَاثَةِ.
قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ}.
وقال تعالى: {إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} وَقال تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا القرآن لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} وَقال تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إلَى ذِكْرِ اللَّهِ} فَأَخْبَرَ أَنَّهُ أَحْسَنُ الْحَدِيثِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَحْسَنُ مِنْ سَائِرِ الْأَحَادِيثِ الْمُنَزَّلَةِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَغَيْرِ الْمُنَزَّلَةِ.
وقال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالقرآن الْعَظِيمَ}. وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ الْفَاتِحَةَ أَوْ القرآن كُلَّهُ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ القرآن الْعَظِيمَ لَهُ اخْتِصَاصٌ بِهَذَا الْوَصْفِ عَلَى مَا لَيْسَ كَذَلِكَ. وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ القرآن كُلَّهُ مَجِيدًا وَكَرِيمًا وَعَزِيزًا. وَقَدْ تَحَدَّى الْخَلْقَ بِأَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ أَوْ بِمِثْلِ عَشْرِ سُورٍ مِنْهُ أَوْ بِمِثْلِ سُورَةٍ مِنْهُ فَقال: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إنْ كَانُوا صَادِقِينَ}.
وقال: {فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ}. وَقال: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} وَخَصَّهُ بِأَنَّهُ لَا يُقرأ فِي الصَّلَاةِ إلَّا هُوَ فَلَيْسَ لِأحد أَنْ يَقرأ غَيْرَهُ مَعَ قراءته وَلَا بِدُونِ قراءته وَلَا يُصَلِّي بِلَا قرآن، فَلَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ لَا يَقُومُ غَيْرُ الْفَاتِحَةِ مَقَامَهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ سَوَاءٌ قِيلَ بِأَنَّهَا فَرْضٌ تُعَادُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهَا أَوْ قِيلَ بِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ يَأْثَمُ تَارِكُهَا وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ أَوْ قِيلَ إنَّهَا سُنَّةٌ فَلَمْ يَقُلْ أحد إنَّ قراءة غَيْرِهَا مُسَاوٍ لِقراءتها مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. وَخُصَّ القرآن بِأَنَّهُ لَا يُمَسُّ مُصْحَفُهُ إلَّا طَاهِرٌ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ الصَّحَابَةِ- مِثْلَ سَعْدٍ وَسَلْمَانَ وَابْنِ عُمَرَ- وَجَمَاهِيرِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ الْفُقَهَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ. وَمَضَتْ بِهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي كِتَابِهِ الَّذِي كَتَبَهُ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الَّذِي لَا رَيْبَ فِي أَنَّهُ كَتَبَهُ لَهُ وَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ كِتَابُ اللَّهِ. وَكَذَلِكَ لَا يَقرأ الْجُنُبُ القرآن عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ الْفُقَهَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ كَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ السُّنَّةُ. وَتَفْضِيلُ أحد الْكَلَامَيْنِ بِأَحْكَامِ تُوجِبُ تَشْرِيفَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ فِي نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ تَرْجِيحًا لِأحد الْمُتَمَاثِلَيْنِ بِلَا مُرَجَّحٍ وَهَذَا خِلَافُ مَا عُلِمَ مِنْ سُنَّةِ الرَّبِّ تعالى فِي شَرْعِهِ بَلْ وَفِي خَلْقِهِ وَخِلَافُ مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الدَّلَائِلُ الْعَقْلِيَّةُ مَعَ الشَّرْعِيَّةِ. وَأَيْضًا فَقَدْ قال تعالى: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} وَقال تعالى: {فَبَشِّرْ عِبَادِي الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقول فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} وَقال تعالى: {فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا}. فَدَلَّ عَلَى أَنَّ فِيمَا أُنْزِلَ حَسَنٌ وَأَحْسَنُ سَوَاءٌ كَانَ الْأَحْسَنُ هُوَ وَالنَّاسِخُ الَّذِي يَجِبُ الْأَخْذُ بِهِ دُونَ الْمَنْسُوخِ إذْ كَانَ لَا يَنْسَخُ آيَةً إلَّا يَأْتِي بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَوْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ. وَالْقول بِأَنَّ كَلَامَ اللَّهِ بَعْضُهُ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ هُوَ الْقول الْمَأْثُورُ عَنْ السَّلَفِ وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَئِمَّةُ الْفُقَهَاءِ مِنْ الطَّوَائِفِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ وَكَلَامُ الْقَائِلِينَ بِذَلِكَ كَثِيرٌ مُنْتَشِرٌ فِي كُتُبٍ كَثِيرَةٍ مِثْلَ مَا سَيَأْتِي ذِكْرُهُ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ ابْنِ سُرَيْجٍ فِي تَفْسِيرِهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ القرآن عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: ثُلُثٌ مِنْهُ أَحْكَامٌ وَثُلُثٌ مِنْهُ وَعْدٌ وَوَعِيدٌ وَثُلُثٌ مِنْهُ الْأَسْمَاءُ وَالصِّفَاتُ. وَهَذِهِ السُّورَةُ جَمَعَتْ الْأَسْمَاءَ وَالصِّفَاتِ. وَمِثْلَ مَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي مَسْأَلَةِ تَعْيِينِ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ قال أَبُو الْمُظَفَّرِ مَنْصُورُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّمْعَانِي الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِهِ (الِاصْطِلَامِ) وَأَمَّا قولهمْ: إنَّ سَائِرَ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالقرآن لَا تَخْتَصُّ بِالْفَاتِحَةِ قُلْت: سَائِرُ الْأَحْكَامِ قَدْ تَعَلَّقَتْ بِالقرآن عَلَى الْعُمُومِ وَهَذَا عَلَى الْخُصُوصِ بِدَلِيلِ أَنَّ عِنْدَنَا قراءة الْفَاتِحَةِ عَلَى التَّعْيِينِ مَشْرُوعَةٌ عَلَى الْوُجُوبِ وَعِنْدَكُمْ عَلَى السُّنَّةِ.
قال: وَقَدْ قال أَصْحَابُنَا إنَّ قراءة الْفَاتِحَةِ لَمَّا وَجَبَتْ فِي الصَّلَاةِ وَجَبَ أَنْ تَتَعَيَّنَ الْفَاتِحَةُ لِأَنَّ القرآن امْتَازَ عَنْ غَيْرِهِ بِالْإِعْجَازِ وَأَقَلُّ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِعْجَازُ سُورَةٌ وَهَذِهِ السُّورَةُ أَشْرَفُ السُّوَرِ لِأَنَّهَا السَّبْعُ الْمَثَانِي وَلِأَنَّهَا تَصْلُحُ عِوَضًا عَنْ جَمِيعِ السُّورِ وَلَا تَصْلُحُ جَمِيعُ السُّورِ عِوَضًا عَنْهَا وَلِأَنَّهَا تَشْتَمِلُ عَلَى مَا لَا تَشْتَمِلُ سُورَةٌ مَا عَلَى قَدْرِهَا مِنْ الْآيَاتِ وَذَلِكَ مِنْ الثَّنَاءِ وَالتَّحْمِيدِ لِلرَّبِّ وَالِاسْتِعَانَةِ وَالِاسْتِعَاذَةِ وَالدُّعَاءِ مِنْ الْعَبْدِ. فَإِذَا صَارَتْ هَذِهِ السُّورَةُ أَشْرَفَ السُّوَرِ وَكَانَتْ الصَّلَاةُ أَشْرَفَ الْحَالَاتِ فَتَعَيَّنَتْ أَشْرَفَ السُّوَرِ فِي أَشْرَفِ الْحَالَاتِ. هَذَا لَفْظُهُ فَقَدْ نُقِلَ عَنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ أَشْرَفُ السُّوَرِ كَمَا أَنَّ الصَّلَاةَ أَشْرَفُ الْحَالَاتِ وَبَيَّنُوا مِنْ شَرَفِهَا عَلَى غَيْرِهَا مَا ذَكَرُوهُ. وَكَذَلِكَ ذَكَرَ ذَلِكَ مَنْ ذَكَرَهُ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد كَالْقَاضِي أَبِي يَعلي بن الْقَاضِي أَبِي خَازِمِ بْنِ الْقَاضِي أَبِي يَعلي بن الْفَرَّاءِ قال فِي تَعْلِيقِهِ- وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْت- قال فِي مَسْأَلَةِ كَوْنِ قراءة الْفَاتِحَةِ رُكْنًا فِي الصَّلَاةِ: أَمَّا الطَّرِيقُ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَسْأَلَةِ فَهُوَ أَنَّا نَقول: الصَّلَاةُ أَشْرَفُ الْعِبَادَاتِ وَجَبَتْ فِيهَا القراءة فَوَجَبَ أَنْ يَتَعَيَّنَ لَهَا أَشْرَفُ السُّورِ وَالْفَاتِحَةُ أَشْرَفُ السُّوَرِ فَوَجَبَ أَنْ تَتَعَيَّنَ.
قال: وَاعْلَمْ أَنَّا نَحْتَاجُ فِي تَمْهِيدِ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ إلَى شَيْئَيْنِ:
أحدهما: أَنَّ الصَّلَاةَ أَشْرَفُ الْعِبَادَاتِ.